الثلاثاء، 2 فبراير 2010

طاهر البرنبالى طالع لوش النشبد / بقلم خالد حريب




وكأن الزمن قد توقف عند منتصف الثمانينيات... الجامعات المصرية ملتهبة والطلاب يتظاهرون احتجاجا علي اغتيال الجندي المصري سليمان خاطر ذلك الجندي الذي نحروه في سجنه حيث كان يقضي حكما بتهمة قتل سبعة صهاينة علي الحدود المصرية.. سليمان خاطر هو ابن محافظة الشرقية حيث توجد جامعة الزقازيق أكبر الجامعات الإقليمية كثافة.. الطلاب اشتبكوا مع الحدث ودارت المظاهرات في أروقة الجامعة.. وانتشرت المعارض المفروشة علي الأرض.. لوحات مكتوبة بخطوط واضحة وحادة.. كلمات أمل دنقل، ودرويش وعبدالرحمن الأبنودي تطل من اللوحات علي الأرض أبرز الكلمات كانت.. لا تصالح.
وفي ساحة كلية الآداب يقف شاب طويل نحيل صامد وصامت.. يدافع عن لوحاته بجسده في بحر زاخر بالطلبة المتظاهرين وبالمباحث.. بالصادقين والمخبرين.
بالحناجر والقنابل المسيلة للدموع.. يقف الشاب الذي لم أره من قبل بثبات ملفت للنظر.. أنا ابن كلية الآداب والمغرم بالتظاهر تخطفني اللوحات من هدير الطلبة لأستريح بجوارها أقرأ وأشارك في حراستها.. من وسط الزحام يطل وجه محمد المصري طالب الطب البيطري الإسماعيلاوي صارخا:
- لم بسرعة يا طاهر.. الأمن المركزي هجم.. يتوقف الزمن عند هذه اللحظة وأعرف أن الطاهر هو طاهر البرنبالي الطالب بكلية الطب البيطري والشاعر في عموم بر مصر.. يتوقف الزمن ليرجع رنين كلمات نفس الشاعر التي حفظتها قبل أن ألقاه وكانت عن سعد إدريس حلاوة الفلاح المصري الذي احتج علي زيارة السادات إلي القدس بطريقته وقتلته الشرطة وقتها قال طاهر:
يا فلاحين «أجهور»
سيبوا القمر للنور
الأرض مش هتبور
الأرض بنت العرق
والضي ابن الليل
يسعد صباح القمر
يسعد مساك يا نيل
تشبع كلاب الوطن
لو مات قمرنا قتيل
وبعدها جرت مياه كثيرة في النهر أصبحنا أصدقاء نتزاور في أمسيات الإسماعيلية الدافئة.
وننزل عليه في القاهرة ليفك لنا شفرة المقاهي والحواري وشقق المغتربين يزاملنا الشاعر مدحت منير والشاعر الذي خطفته المنية خالد عبدالمنعم.. علي المقهي في حي الحسين يهمسان شعرا ويتفجران ثورة.
«البرنبالي» هو المايسترو يشير بعصاه فنأكل الفول ونجلس علي زهرة البستان مفلسين نشرب ما نريد وحتما سيأتي أحد أصدقائنا يسدد الحساب.. يشير إلي شعراء الأقاليم نابغا فيحفظ أشعارهم.. هو ابن قرية برنبال بكفر الشيخ.
أصبح طبيا بيطريا ويتجاوز في ذلك ويكتب لزملائه الممغوصين روشتات يصرفونها من الصيدلية فيشفي مغصهم وعن ذلك تندر صديقي القاص الموهوب عمرو عبدالحميد الذي يعمل الآن مذيعا بقناة B.B.C الفضائية العربية.
ليقول: «باختصار إما طاهر عبقري أو الذين يشفون علي يديه تابعين لتخصصه البيطري».
ونضحك.. نضحك كثيرا يسافر «عمرو» إلي موسكو طالبا بكلية الصيدلة ويستمر «مبارك» في الحكم ويواصل «البرنبالي» شعره.. ويموت خالد عبدالمنعم ويتصوف محمد المصري ويتقن مدحت منير أشعاره.. وأغرق أنا في صحافة السياسة وأتأمل الشعر علي بعد خطوتين، ومن أول إصدارات طاهر البرنبالي طالعين لوش النشيد الذي احتفت به جميع الأوساط يصعد البرنبالي نجما للمساء والصباح.. ويستمر عطاؤه ويتواصل إنتاجه يقدم لمكتبة العامية المصرية «طفلة بتحب تحت سقف الروح».. و«طارت مناديل السعادة «وطريق مفتوح ف ليل أعمي» أما الأغاني فكان أبرزها أغنية المطربة المصرية مها البدري «الله عليه الله» من ألحان ترجمان مشاعرنا الموسيقي الموهوب أشرف السركي.. ولا ينسي الناس أبدا أغنية لنهاية مسلسل «أيام المنيرة» والتي غناها المطرب محمد الحلو عندما قال طاهر بعناد واضح..
«مالناش بديل
إلا اختيار المستحيل
مالناش بديل/ إلا انتصار الفجر ع الليل الطويل
مالناش بديل/ غير امتلاك بكره الجميل
شمس ونخيل
مالناش بديل»
والشاعر البرنبالي العنيد الذي حسم الاختيار بالاتجاه نحو الطريق الصعب قرر أن يفاجيء الجميع بمغامرة كبري وهي أن يواصل الحياة رغم معاندة كبده له لهذا الاختيار.. يضغط البرنبالي علي آلامه فيهزمها ويكتب شعرا جميلا..
«جسمي راكب فوق سريري
قلبي شفاف ع الورق
داخل اللعبة الخطيرة
لعبة الموت والحياة».
إذن هو الشعر داء جميل ودواء ناجع.. وهو الغناء رحلة المغرمين بالحياة وسبيل المقاومة الوحيد.. ولطاهر البرنبالي محاولات مجتهدة لتأسيس فرق غنائية قبل شهور قال لي.. إنه استقر مع شباب وشابات وأسسوا فرقة غنائية أطلقوا عليها اسم «سما».. ويعود البرنبالي ليقول لي مرة أخري أنه يبحث عن الجديد في زحام المواهب وأنه يسعي بدأب لإعلاء القيمة عبر فريق بالإبداع.. ويذهب إلي المستشفي فيشق الأطباء جسده ويخرج متعافيا ليقول:
«بكرة ياعم الدنيا تروق
التمريض بيقول لك فوق
سنتك بيضة سعيدة عليك
انت خلاص عديت للضوء».
وينجح الطاهر طاهر البرنبالي في المرور من ثقب إبرة إلي الضوء محتضنا يد رفيقة حياته زوجته التي وهبته فصا من كبدها ويأتي إلينا في رحاب حزب «التجمع» لينشد للأمل وللغد وللتقدم.
طاهر البرنبالي فتي جامعة الزقازيق الأول.. أنا واحد من مريديك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق