يا ريتني فضلت نونو.. (طاهر البرنبالي) الجميل الرائع
-محمد هجرس
اعلامي-------------------------------------------------------------------------------
مقدمة:
سعدت جداً ببلدياتي وصديقي القديم الشاعر المصري طاهر البرنبالي، إذ رغم تشردنا في الحياة، إلا أنني كنت أتابع أعماله، وسعدت أكثر بنجاح العملية الجراحية التي أجريت له، عملية زرع كبد تبرعت بجزء منها زوجته.
لازلت أذكر طاهر الذي يصغرني بعام واحد، وكنا نلعب مع بعض الكرة، في ساحة متربة بجوار مقبرة البلدة، وكان طوله ونحافته لافتتين للانتباه، مع صلعة خفيفة بمقدمة الرأس، تنبيء بموهبة رهيبة.
لازلت أذكر طاهر الذي كنا نسميه (الميت) لقصة طريفة مفادها إنه وهو رضيع مات، غسلوه وكفنوه، وعندما أودعوه القبر، فوجئوا به يصرخ باكيا، فعادوا به حياً، حيث لا يزال أطال الله عمره، ومن يومها وحتى غادرت البلدة إلى القاهرة، كان أصدقاؤه ينادونه "الميت"، وكنت أضحك عندما كان الحريف سعيد سعدالله حجازي يصرخ عليه ليعطيه الكرة "هات يا ميت" فنستغرق في الضحك، على الميت الحي الذي يلعب الكرة بجوار المقبرة.
إييييييييييييييييييييه.. دنيا!
اليوم سعدت عندما قرأت تقريراً عن طاهر، وشعر طاهر
ويسعدني أن تقرأوا لهذا البريء الجميل وتقرأوا عنه بعضاً مما كتبه الرائع السيد نجم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
البرنبالي يرى الشمس وردة
تجربة مرضية تعرض لها الشاعر فحولها إلى قصائد للأطفال تبرز قيمة الصداقة وأهمية الصحاب.
لم يلق كاتب الطفل، ولا الأعمال الإبداعيه للطفل، الاهتمام الواجب في كل الأقطار العربية، وهى ظاهرة يجب رصدها لأهميتها في دعم وترسيخ "أدب الطفل" الذي يعاني كثيرا من المعوقات، على الرغم من الاهتمام الظاهر في العديد من المؤسسات العربية، خلال العقدين الماضيين.
لعل كتاب "قصص الأطفال في المغرب" للباحث المغربي د. محمد أنقار يعد من أحدث البحوث في مجال أدب الطفل، من خلال الجانب الإبداعى تحديدا. وإن شُغل الباحث بعرض التعريفات المختلفة للقصة الموجهة للطفل وللإبداع الأدبي له، ولنا أن نلتقط منه أن الكتاب وثَّق لمشكلة حقيقية برزت في كل الأقطار العربية، ألا وهى عدم التنظير والتوثيق الأدبي ثم النقد المتابع لإبداعات أدب الطفل.
لذا كانت تلك الوقفة السريعة مع أحد الشعراء الذين شاركوا في مجال الكتابة للطفل مؤخرا، الشاعر طاهر البرنبالي، وهو من شعراء العامية المصريين المعروفين، وله منجزه الشعري الخاص. أما كتابه "الشمس وردة" فهو آخر ما صدر له، موجها للطفل، ضمن سلسلة مطبوعات مجلة "قطر الندى" عن هيئة قصور الثقافة بالقاهرة.
يضم الكتاب مجموعة شعرية من ست قصائد: "يا ريتني"، "الشمس وردة"، "عيد الطفولة"، "آدي بلدنا"، "حبيبة"، "لو رحنا المكتبات"، "خالد".
نتخير قصيدتين من تلك الأعمال: "يا ريتني" و"الشمس وردة"، لكونهما يعبران عن الكاتب في خصائص تناوله للعمل الشعري، وعن المجموعة في جملة ملامحها.
قصيدة "يا ريتني" (رصد أجزاء منها فقط)
"يا ريتني فضلت نونو (نونو= صغير السن جدا في العامية المصرية)
وبيقرا ف الكتاب ..
يتفرج وبعيونه .. (يتفرج= يشاهد)
بيفتح ألف باب
.....
كبرت خلاص يا ماما
وسألت عن السلامة
شاوروا لي ع اليمامه (شاوروا= أشاروا إلى)
الواقفة هناك بعيد
.....
بصت لي بابتسامة (بصت لي= نظرت إلى)
وطارت من جديد
......
ولقيت الدنيا واسعة
والناس دايما بتسعى
......
الصاحب فات صحابه
وهما يوم غيابه (هما= هم)
بيجيبوا أكيد ف سيرته
ما اقدرش أفوت صحابي (ما اقدرش= لا أستطيع. أفوت=أترك. صحابي=أصدقائي)
يا ريتنى فضلت نونو"
لعل هذه القطعة الشعرية تعبر عن تجربة مَرضية خاصة تعرض لها الكاتب وتحمل هذا المعنى البعيد، بينما تحمل دلالات الصداقة والصحاب وأهميتهم في كون الصداقة تلازم الحياة الاجتماعية السوية والمطلوبة، خصوصا عند الأطفال.
***
أما العمل الآخر "الشمس وردة" (مع رصد جزء منه)
"امبارح والنهارده (امبارح = الأمس. النهارده = اليوم)
باحلم بالشمس ورده
......
منين أول طريقها (منين = أين؟)
وفين بتروح ليلاتي (فين = أين؟. ليلاتي = كل ليلة)
.....
الشمس الدافيه .. عافيه (الدافيه = الدافئة. عافيه = تسبب الصحة والعافية)
الصبح بتيجي صافيه (الصبح = الصباح. بتيجى = تجيء)
لكن ساعة الغياب
بتسيب قلبي في عذاب (بتسيب = تترك)
......
أنا كنت أروح إليها (أروح = أذهب)
وهناك أسأل عينيها
بتروحي فين ليلاتي
وتسيبي الأرض باردة
.......
امبارح والنهارده
باحلم بالشمس ورده"
لعل الشمس هنا هي الأمل والحياة كلها، يسعى الشاعر لإرضائها والبحث عنها لدعوتها ألا تغيب، ولا يغيب عطاء شعاعها المضيء الدافئ.
تتميز أعمال البرنبالي في مجموعته "الشمس وردة" بقدر وافر من الترميز البعيد الذي قد يتعدى مراحل عقلية الطفل عموما، وبقدر مماثل في مخاطبة الطفل بمفاهيمه وقضاياه.
مفردات الأعمال تتناسب وقاموس الصغار، وربما لعبت اللهجة العامية دورها في تقريب الصور والدلالات إلى الطفل.
يعد البرنبالي من القلائل من بين شعراء العامية المصرية، الذين أعطوا من جهدهم وأشعارهم قدرا لمخاطبة الطفل وتناول أدبه.
وإذا كان كِتاب الطفل يتضمن، فيما يتضمن، الكلمة، فإن الرسومات للفنان محمود الهندي، والتي تضمنها الكتاب، قد شاركت الكلمة بقدر وافر من الحيوية وإضفاء جمال الصورة، وإضفاء روح الطفولة، على مجمل الأعمال والكتاب بالتالي.
__________________
mediasoso@yahoo.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(على هذه الأرض.. هناك دوماً ما يستحق الحياة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق